عوائق التواصل البيداغوجي
تعريف :
العوائق جمع عائق، وهو ما يعوق الفكر أو الإدارة من شواغل داخلية أو موانع خارجية تمنع تحقيق الهدف أو تحول دون اكتماله.
شروط وضمانات
إذا كان هذا هو تعريف العائق بصورة عامة : البيداغوجي منه وغير البيداغوجي، فإنّ تساؤلات كثيرة تبقى مطروحة لا يجاب عنها بمجرد التعريف، فكيف نستطيع اكتشاف العوائق والصعوبات المانعة من التواصل البيداغوجي ؟ وكيف نتفهم طبيعتها ونتعرف أنواعها ؟ وما هي الضمانات الكفيلة بحماية نشاطنا التربوي من تأثيراتها ونتائجها ؟
تقويم التواصل :
أولى الخطوات التي ينبغي قطعها في طريق اكتشاف عوائق التواصل البيداغوجي تتمثل في تقويم التواصل وهو غير تقويم عمل التلميذ إذ هو عبارة عن جملة من المتابعات الحينية والملاحظات الفورية اليقظة، تتناول كل فرد من أفراد جماعة المتلقين أو المتعلمين في استقلال عن غيره، لاختبار مدى استجابته، بينما يبقى تقويم عمل التلميذ نشاطا تقويميا لاحقا يهتم بقيس مكتسبات المتعلمين فرادي أو مجتمعين، وتحديد نوعية التغيرات الوجدانية أو المهارية الحاصلة لكل منهم :
ويتحقق اختبار الاستجابة من خلال مراقبة مظاهر أربعة :
1) ما يصدر عن الملتقى من أقوال وأفعال، ومهارات يتعامل بها مع الرسالة البيداغوجية الموجهة إليه
2) نوعية إجاباته عن الأسئلة الموجهة إليه حول فهم محتوى الرسالة أو تحديد مكوناتها.
3) ما يطرحه المتلقي تساؤلات وما يثيره من إشكاليات ذات علاقة بمضمون الرسالة
4) ما يتخذه المتلقي من مواقف ومبادرات وردود فعل تجاه الباث أو تجاه الرسالة
ولا مناص للمربي اليوم من استخدام هذه الوسائل الأربع مجتمعة أو متعاقبة في الحصة الواحدة، ولا يمكنه الاكتفاء ببعضها عن البعض الآخر لما يكتنف سلوك المتعلمين من تظاهر وادعاء. فقد يظهر المتلقي الانتباه وهو غير منتبه، وقد يحاول تأكيد فهمه مضمون الرسالة وإدراكه مكوناته، والحال أنه غير فاهم، إلى غير ذلك من ضروب المغالطة التي يعرفها المربون من تلاميذهم.
لذلك كان استخدام هذه الوسائل الأربع ضروريا متأكدا، حتى إذا أفلت المتلقي من رقابة بعض الوسائل أو غالطها لم يفلت من رقابة البعض الآخر.
وبكثير من الإجمال والاختزال فإن المربي الذي يسيء استخدام هذه الوسائل أو يكتفي ببعضها عن البعض الأخر تقويم نوعية التواصل البيداغوجي الحاصل بينه وبين تلاميذه، ومن ثم يستحيل عليه تعرف الصعوبات واكتشاف العوائق التي منعته من تحقيق التواصل المطلوب، أو قلّلت من جدواه وقلّصت من نتائجه.
ولابدّ من الإشارة إلى ما يتطلبه تقويم التواصل البيداغوجي من المدرس من يقظة ذهنية ومن حيوية ونشاط، وحركة في المجال البيداغوجي، واقتراب من هذا التلميذ تارة ومن ذاك تارة أخرى، ومن إقبال على هذا حينا وعلى ذاك حينا آخر، بحيث لا يستقيم اختبار الاستجابة لمدرس خيّر الجلوس على الكرسي أو على حافة مكتبه، ولا لمدرّس يلازم وضعا واحدا في الفصل لا يغيّره أو يلازم السبورة لا يغادرها، ولا يستقيم تقويم التواصل لمدرّس دفن وجهه في الكتاب المدرسي أو في الوثيقة المنهجية أو في مذكرّة إعداد الدرس فهو يتجول بها في الفصل ولا يستطيع أن يتكلم إلا منها.
فهم طبيعة التواصل :
قد يكون الخلط بين أنواع التواصل البيداغوجي، والاكتفاء بأدناها على أعلاها واحدا من أقوى عوائق التواصل، لذلك لا بد للمربي الناجح من استيعاب صنافات التواصل وتعرف الأنواع المكونة لكل صنافة من تلك الصنافات حتى لا ينخدع بما يشبه التواصل فيعتبره تواصلا، ويكتفي به، ونكتفي من ذلك بالصنافتين التاليين :
1) تصنيف أول يصنف التواصل حسب العلاقة التي يقيمها – أو يقوم عليها – بين الباث والمتقي، إلى ثلاثة أنواع :
1-1 : تواصل عمودي هو قوام التربية التقليدية، وهو نوع من التواصل لم يعد مستساغا في غير خطب الجمعة ونشرات الأخبار، ولكنه مع ذلك لا يمكن الاستغناء عنه نهائيا في التربية الحديثة فهو مفتاح لابد منه للمرور إلى ما بعده، يحتاجه المربون في جميع الاختصاصات اللسانية والفكرية والاجتماعية والعلمية على السواء، لإعداد الوضعيات التطبيقية ولتوفير منطلقات الدخول في الدرس، ونحتاج إليه لفتح النوافذ اللازمة لفهم النص أو استقراء الوثائق والبدائل التشخيصية. وعلى العموم فإن التواصل البيداغوجي الناجح هو الذي تتداخل فيه الأنواع الثلاثة بوعي ومهارة، فلا سبيل إلى الدخول في تواصل أفقي سليم ولا إلى الدخول في تواصل مفتوح متنوع الاتجاهات دون المرور لمرحلة التواصل العمودي الذي لا يجوز أن يأخذ أكثر من لحظات موزعة بإحكام على أجزاء الحصة وخطوات الدرس توجه مسار الدرس، ولا تتحكم في بناء مضامينه.
1-2 :تواصل أفقي هو قوام الطريقة الاستجوابية يتحقق بين المدرس من ناحية وبين أفراد المتلقين من ناحية أخرى بحيث يعمل الأستاذ على توزيع لحظات التواصل بينه وبين أكبر عدد ممكن من تلاميذه، ولكنه يبقى دائما هو السائل ليضل التلميذ طوال الحصة هو المجيب. غير أنه يتحتم التنبيه إلى بعض المحاذير التي تكتنف هذا النوع من التواصل، فرغم قيمة الاستجواب بيداغوجيا فإنه قد يتحول إلى نوع من التواصل العمودي، والتلقين المقنّع، وذلك حين يكتفي المدرس لسؤاله بإجابة واحدة يتصرف فيها ليكتب على السبورة عدة جمل أو عدة أسطر.
لذلك ولكي يكون الاستجواب أداة لتواصل أفقي حقيقي لابد من أن يحرص الأستاذ على توفير الشروط والضمانات التالية لبعث الحيوية في الدرس :
أ.تفكيك المعاني وعدم الاكتفاء بالاطلاقات والعموميات والعبارات الفضفاضة والمعاني الرجراجة
ب.تجزئة الأسئلة وضمان ترابطها وفق تدرج منطقي معقول
ج.الإصغاء إلى التلاميذ وحملهم على تنويع الإجابات واستخراج ما لديهم من أفكار وتصورات
د.عدم الاكتفاء بالاجابة الواحدة ولو كانت صائبة
هـ.الحرص على تغليب المعلومة الشفوية على المعلومة الكتابية حتى لا يثقل كاهل تلاميذه بكثرة النقل والكتابة فيعوقهم عن النشاط الذهني وعن المشاركة الفاعلة وممارسة التواصل الحقيقي
1-3 : تواصل مفتوح متنوع الاتجاهات هو قوام الطرق النشيطة القائمة على الملاحظة الحية والتجربة المباشرة والممارسة الشخصية. و يكون فيه المدرس مجرد عنصر من عناصر المجموعة يساعد ويوجه ولا يفرض شيئا من عنده، ولا يقدم حلولا جاهزة من صنعه أو من صنع غيره.
هذا النوع من التواصل المفتوح يتمتع بالأولوية المطلقة في الدروس ذات الصبغة التجريبية والمرتبطة بملاحظة ظواهر واقعية : طبيعية كانت أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، لكنه لا يمكن أن يتمتع بنفس الأولوية في الدروس ذات الصبغة النظرية التجريدية ولا في الدروس المتعلقة بالمغيبات سواء في ذلك معالجة أحداث الماضي أو الخوض في الماورائيات أو التعامل مع القيم والأحكام غير المرئية.
على هذا فإذا أخفق المربي أو أخطأ، فوضع أي نوع من أنواع التواصل في غير إطاره البيداغوجي، أو حاول القفز على ما لابدّ من المرور به، فإنه يخلق لنفسه ولتلاميذه صعوبات إضافية، ويتسبب في ظهور عوائق تمنع التواصل، بدل أن يوفّر الظروف المساعدة عليه، ومن هذا القبيل محاولة إقامة دروس السيطرة على سير الدرس، ويستحيل التحكم في الوقت، إذ ليس هناك حدود مادية أو ضوابط واقعية مشاهدة يتقيد بها التلاميذ في تساؤلاتهم، لذلك فإن طبيعة القضايا التي تعالجها المادة تحتم الاكتفاء بالاستجواب واعتماد التواصل الأفقي الذي يقوده المدرس ويوجهه بأسئلته ثم لا مانع بعد ذلك من إتاحة الفرصة للتساؤل والنقد والمناقشة وإثارة بعض الإشكاليات وفي ذلك كفاية لتحقيق الإضافة النوعية دون حياد عن المسار الطبيعي للدرس، ودون خروج عن الموضوع.
2) تصنيف ثان يصنف التواصل البيداغوجي على أساس طبيعته إلى ثلاثة أنواع أيضا :
2-1 : تواصل عرضي طارئ يحدث نتيجة بعض الأفكار العابرة أو المعلومات
والمواقف العارضة بصورة عفوية مفاجئة لم يقصدها المدرس ولم يخطط لإثارتها أثناء إعداد الدرس والقيام بعملية النقل البيداغوجي. وربما لم يكن ينتظرها ولم يتوقعها، ومن ذلك جر التلاميذ الأستاذ للخوض في مسائل وقضايا هامشية ذات صلة ببعض أفكار الدرس تغريهم بالحديث فيها ومناقشتها ويعتبرونها من المسائل الحيوية.
2-2 : تواصل انطباعي يعبر فيه الباث عن انطباعات ذاتية تتصل بشخصه أو تتعلق ببعض تلاميذه أو كلهم، تكون غايته منها استثارة هممهم أو لومهم أو تهديدهم، أو يسعى من خلالها لتحديد موقفه الشخصي من بعض الأفكار والقيم المتعلقة بالدرس.
وهذا النوع من التواصل الانطباعي ما يزال له حضور مكثف في دروس التربية والتفكير الإسلامي حيث ما يزال الأستاذ يتبنى المواقف والأفكار أو يناهضها، ولا يقف موقف المحلل المحايد، ليمكن تلاميذه من تحديد مواقفهم بتلقائية واختيار حر، وليساعدهم على تحقيق التنوع الفكري.
2-3 : تواصل مقصود مخطط له مسبقا محدد الأهداف واضح التصور لتأثير المراد إحداثه في ذهن المتلقي أو في نفسه، أو في خبرته وقدراته المهارية، وهو التواصل البيداغوجي الفاعل المعني في هذا البحث.
النظام العلامي للتواصل :
كذلك تتوقف سلامة تقويم التواصل واكتشاف الصعوبات والعوائق التي تعترض سبيله على جملة المبادئ التالية :
1- اقتناع المربي بأن اللغة ليست النظام العلامي الوحيد للتواصل، وليست الأداة الأفضل دائما.
2- مدى حرصه، ومدى قدرته على استخدام الوسائل والعلامات غير اللغوية.
3- مدى توفّقه في ترشيد تلاميذه وإقدارهم على فهم العلامات الماوراء لغوية، وعلى استعمالها وإثراء التعبير بها.
4- مدى قدرته على تحقيق التوازن بين مختلف الوسائل العلامية واستخدام كل منها في الموقف المناسب والاطار المناسب، تلك الوسائل التي يمكن تصنيفها على النحو التالي :
4-1 : وسائل سمعية : أ- وسائل لغوية منطوقة
ب-وسائل ما وراء لغوية هي بمثابة قرائن أحوال تصاحب الخطاب فتوحي بمعاني قد تكون أعمق وأكثر دلالة مما تعبر عنه الألفاظ المنطوقة (نبرة النطق – طبقة الصوت، نسق الكلام … الخ)
ج-أصوات غير لغوية : آهات تعجب، أهات توجع أو تفجيع، ضحك، صفير، بكاء …الخ)
4-2 : وسائل بصرية : أ- علامات تواصل مباشر (ملامح الوجه – نظرات العينين – حركات البدن – حركات الأعضاء – أوضاع الجسم …الخ)
ب- وسائل لغوية مكتوبة
ج- وسائل ما وراء اللغة المكتوبة (قراءة ما بين السطور) وهي دلالات يفصح عنها السياق، واختيار ألفاظ وصيغ بعينها، أو تطلب عن طريق دلالات التلازم والاقتضاء … الخ)
د- وسائط وبدائل تشخيصية
هـ : مؤشرات ورموز
و- علامات شبه بصرية تدرك ببقية الحواس الخمس (لمس، ذوق، شم) مما لا تستغني عنه التجربة الحسية المباشرة
5- وظيفة التربية الحديثة : وتتوقف على مدى اقتناع المربين بأن المتعلم لم يعد مطالبا بمعرفة كل ما يعرفه أستاذه أو ما يريد له أن يعرفه، وليس هو مطالبا حتى بمجرد الاقتناع بوجاهة الأفكار والمواقف المعروضة عليه، وهذا هو ممكن الصعوبة ومصدر الكثير من عوائق التواصل المترتبة على مبدأ واحدية الحقيقة الذي يسيطر على أذهان الكثير من مدرسي التربية والتفكير الإسلامي حيث تقدم الحقيقة بالجملة ويحمل التلاميذ على قبولها والتسليم بها دون تجزئة، ودون تفكيك أو تحليل، وفي غياب كلي للمناقشة وللبعد النقدي مما يتعذر معه بعث الحيوية في الدرس ويمتنع معه التواصل النشيط المفضي إلى توسيع مشاركة التلاميذ.
أنواع العوائق والصعوبات
تتوقف معالجة عوائق التواصل البيداغوجي، والاحتياط لها على مدى فهم المربي طبيعتها، ومعرفة أنواعها، وقدرته على تصنيفها، وتبيّنه حدود كل منها ووظيفته، وفي هذا السياق يمكن ملاحظة صنافات ثلاث رئيسية تنتظم أنواع العوائق :
تصنيف أول تصنيف فيه عوائق التواصل حسب طبيعتها إلى نوعين :
1- عوائق داخلية : وهي في جملتها ثلاث مظاهر أو تجليات :
1-1 : عوائق داخلية ذات صبغة نفسية نابعة من ذات الباث أو كامنة في نفس المتلقي وتتمثل في جملة العوامل النفسية كالخجل والاضطراب، والشعور بالحرج، والخوف، وعدم الإحساس بالحرية والتلقائية.
منها ما هو طبيعي في نفس المتلقي، ومنها ما يتسبب فيه الباث أو المدرس بتصرفاته غير المدروسة، وعدم مراعاته قواعد بيداغوجيا الفوارق، ذلك أن مدرس المجموعة يجد أمامه خليطا من التلاميذ المختلفي الشخصيات والتكوين النفسي. وإنّ قمعه للمغرور المتعالي أو تتفيهه لإجابة الثرثار لسوف تكون له آثاره على الخجول والجبان وضعيف الشخصية فتقتل فيهم روح الرغبة في المشاركة، فيكون ذلك من أقوى موانع التواصل بينهم وبين الأستاذ.
1-2 عوائق داخلية ذات صبغة ذهنية وتتمثل في جملة العوامل الذهنية مثل قصور المتلقي عن فك الترميز، ومثل اختلاف المرجعية وتباين المفاهيم بين الباث والمتلقي.
1-3 عوائق داخلية ذات صبغة وجدانية وتتمثل في جملة المشاعر والأحاسيس الجاذبة أو المنفرة وفي مقدمتها تأثير الأستاذ في نفوس تلاميذه بشخصيته وهيئته ودرجة حيوية مما يشدهم إليه ويرغبهم في التواصل معه أو ينفرهم منه ويصرف نفوسهم عنه.
2- عوائق خارجية : وهي جملة الموانع المادية التي تعيق التواصل أو تمنع فاعليته، ومنها :
2-1 : قصور في وسائل التبليغ لدى الباث
2-2 :ضعف وسائل الاستقبال لدى المتلقي
2-3 : صعوبات تتعلق بمضمون الرسالة البيداغوجية أو بشكلها وبنيتها
2-4 : عوامل معيقة يشتمل عليها المحيط الذي يكتنف العملية التواصلية
2-5 : عوامل متولدة عن الوسط الثقافي والمستوى الحضاري
تصنيف عوائق التواصل حسب مصدرها :
1- صعوبات نابعة من مضمون الرسالة أو من مبناها وشكلها
2- عوائق تتصل بذات الباث أو بسلوكه ويندرج ضمنها كل ما يترتب عن النظام العلامي المستخدم وتقنيات التواصل
3- عوائق تتصل بذات المتلقي
4- عوائق وصعوبات مصدرها المحيط المدرسي أو المحيط العام الذي يكتنف المدرسة
5- عوائق وصعوبات تتربت عن نوعية التنظيم والتنظيم والتيسير ونوعية التراتيب المدرسية والنظام الداخلي أو النظام العام للمؤسسة المدرسية
ويمكن تصنيف جملة تلك العوائق المشار إليها في الصنافتين السابقتين إلى نوعين :
1- عوائق مشتركة بين مختلف الاختصاصات المدرسية والمواد التعليمية
2- عوائق خاصة تقتضيها طبيعة مادة بعينها أو يقتضيها استعمال نظام علامي معين لا تمثل عائقا في غيره، فضعف السمع لدى المتلقي لا يمثل عائقا عند اعتماد نظام علامي بصري وقل مثل ذلك في ضعف البصر عند اعتماد وسائل سمعية، والخلل المتعلق بنطق المدرس أو نطق التلميذ لا يكون له تأثير ذو خطورة على تعلم التقنيات والمهارات وتعليمها.
عوائق مصدرها الرسالة
الصعوبات المتعلقة بمضامين الرسالة البيداغوجية أو بشكلها ومبناها هي أعقد الصعوبات وأكثرها تشعبا، ويمكن تصنيفها إلى نوعين رئيسيين :
عوائق نصبة تتعلق ببنية الرسالة وتقديمها المادي، نذكر منها :
1- استخدام نظام علامي غير محيّن، ومنه استعمال مصطلحات غير محينّة أو غير دقيقة الدلالة وقد يكون لنا من الألفاظ والمصطلحات المتداولة في دروس الزكاة في مادة التربية الإسلامية أوضح الأمثلة لهذا النوع من العوائق والصعوبات فما يزال مدرسو هذه المادة يتمسكون باستعمال أسماء لمكاييل ومقاييس لم تعد مستعملة مثل : المد والصاع، والأوسق )جمع وسق(، وقوت أهل البلد … الخ، ومازالوا يصرون على استعراض مصارف للزكاة لم يعد لها وجود إلا في كتب الفقه القديمة مثل (المؤلفة قلوبهم، والغارمين، والعاملين عليها، وفي الرقاب) فجميعها أسماء لا توجد لها اليوم مسميات على أرض الواقع، ولو يعد لها تداول في غير النص القرآني، المر الذي يجعل استخدامها والتعبير بها في لغة الدرس مثارا لصعوبات إضافية ومصدرا لعوائق تمنع التواصل وتحد من فهم الرسالة البيداغوجية الموجهة من المدرس إلى تلاميذه، ولا حل لهذه المشاكل إلا بتحيين هذه المصطلحات وتعويضها بما يؤدي معناها مما هو متداول في حياتنا اليومية.
2- استخدام عبارات فضفاضة ليست لها دلالات محددة، ويمكن أن يفهم بفهوم مختلفة تكون سببا في اختلاف المرجعية بين الباث والمتلقي من ذلك عبارات : التقوى – الصدق – الصبر – القناعة – بر الوالدين – التكافل – التعاون – الإحسان. فبعض هذه الألفاظ قد ضاقت دلالتها وانحصرت معانيها حتى فقد مضامينها الشرعية والحضارية، وبعضها قد اتسعت دلالاتها حتى أصبحت عبارات فضفاضة ذات معاني رجراجة ليست لها حدود متفق عليها. وهذا النوع من الصعوبات كثيرا الحضور في دروس التربية والتفكير الإسلامي لا يكاد يخلو منه درس، وهو ليس معيقا للتواصل البيداغوجي فقط، وإنما معيق للمادة كلها عن تحقيق الأبعاد الفكرية والحضارية المرادة من غالب دروسها.
3- التعقيد والغموض، وهما يأتيان إما نتيجة للاكتفاء بالتلميح عن التصريح مثلما هو الحال عند الحديث عن موجبات الغسل، ونواقض الوضوء في دروس العبادات من مادة للتربية الإسلامية. وإما نتيجة الإسهاب والتطويل حيث تشتمل الرسالة البيداغوجية على فائض من الكلام أو من الرموز، لا تقتضيه مضامين الرسالة، وإنما يعالج مثل هذه العوائق بتحديد الكفايات الأساسية للدرس. وضبط حدود المعارف الواجب الاكتفاء بها فيه حتى لا يكون هناك اختزال مخلّ ولا تطويل مملّ.
4- الاكتفاء بالمعارف الجاهزة والحقائق الثابتة على حساب الأبعاد المنهجية والنتائج الحضارية مما يفضي إلى الغفلة عن تنمية الملكات الذهنية، وإهمال الأهداف الحقيقية للدرس، وهي المتمثلة في ترقية المفاهيم والتصورات وتنمية النزوع إلى المرونة العقلية، ومنع المعارف الجاهزة والمسلّمات النقلية من أن تتحول إلى سلطة معرفية تفرض نفسها على الباث والمتلقي جميعا، تكرّس التبعية والعلاقة العمودية وتمنع التواصل القائم على النشاط الذهني والحيوية.
وفي هذا السياق قد نجد أوضح مثال للواقع التربوي غير القويم في مجموع الدروس المتعلقة بمصادر التشريع الإسلامي من برنامج الحضارة للسنة الأولى من التعليم الثانوي حيث ما يزال البعد الفقهي هو الغالب على دروس هذا المحور لدى الأغلبية الساحقة من مدرسي مادة التفكير الإسلامي، فكثيرا ما ينسى هؤلاء الأساتذة أنهم يتعاملون مع دروس في الحضارة الإسلامية وليس مع مجرد دروس فقه ومن ثم يغيّبون البعد الحضاري، ويجردون الدرس من المصطلحات الحضارية، بل كثيرا ما يغيّبون عبارة "حضارة" نفسها ويكتفون بترديد المصطلحات الفقهية التقليدية مستعرضين المصادر الأساسية الأربعة ثم المصادر التكميلية ثم القواعد تشريعية ثم خصائص الشريعة الإسلامية…الخ، فلا يكون في دروسهم ما يساعد على فتح الباب لاستحضار الأبعاد الحضارية للدرس، ولا يكون في سلوكهم البيداغوجي ما يحفز التلاميذ ما يحفز التلاميذ على التواصل ويغريهم بالمشاركة.
وإنما تبعث الحيوية في مثل هذه الدروس بتجزئة الأسئلة وتفكيك المعاني ومساعدة التلاميذ على الاقتناع بأن مصادر التشريع الإسلامي كانت في حياة الرسول عليه السلام مصدرين فقط لا ثالث لهما، هما القرآن والسنة المتمثلة في شخص الرسول ذاته، وأنه لم يكن هناك مصدر للأحكام الملزمة غيرهما، فلما توفي الرسول انقطع الوحي واكتمل القرآن، وغالب المثال وهو شخص الرسول واستمرت وقائع الحياة فاحتاج الناس إلى التماس مصادر جديدة للتشريع فكان الإجماع، وكان القياس، فلما تقدم الزمن واتسعت المساحة الترابية للبلاد الإسلامية وتغيرت الظروف، وتفرق المسلمون شيعا ومذاهب، أصبح صعب المنال، وجدّت قضايا ومشاكل ليس فيها نص ولا تقبل القياس فاحتاج الناس إلى مصادر تكميلية تكمل المصادر الأربعة في مواصلة مسيرة التشريع ومنع توقفه حتى يكون مستجيبا لمشاغل الناس أينما كان زمانهم أو مكانهم.
إن مثل هذا المنهج يفتح الباب للأبعاد الحضارية حيث يرسخ في أذهان التلاميذ مبدأ تطوير التشريع فيقتنعون بأنه كلما تغيرت ظروف الزمان والمكان وجب إثراء مصادر التشريع بمصادر جديدة لم تكن من قبل، ويثبّت في أذهانهم مبدأ حضاريا قائما على عدم توقّف مسيرة التشريع، وعلى عدم كفاية الحلول الجاهزة، والأحكام الموروثة.
كذلك فإنه لا يكفي أن يعرف التلاميذ خصائص الشريعة الإسلامية (العموم والشمول والخاتمية وقابلية التطور ومسايرة الفطرة…الخ) وإنما ينبغي أن يعرفوا مقتضيات كل خصوصية، من ذلك اقتضاء خصوصية العموم لمبدأ المرونة والتسامح والانفتاح على الآخر…الخ
عوائق منهجية :
يمكن تصنيف جملة العوائق المنهجية إلى ثلاثة أنواع رئيسية :
1- صعوبات مصدرها الوسائل المنهجية المعتمدة في تحقيق التواصل البيداغوجي، ويأتي في مقدمتها :
1-1 : عدم وضوح الأهداف وضبابية التصور للتأثيرات المراد إحداثها في المتلقي، وفي المثال السابق المتعلق بمصادر التشريع الإسلامي ما يكفي لتوضيح خصوصيات هذا النوع من العوائق، حيث تصبح المعلومة المعرفية هدفا في حد ذاتها فينسى المربي ما وراء المعلومات من اهداف منهجية، وأبعاد حضارية، وما ينبغي أن تساعد عليه تلك المعلومات من تغييرات يتحتم إحداثها في قدرات المتعلم وملكاته الذهنية أو في خبرته ومهاراته العملية أو في ميوله وقواه الوجدانية.
1-2 : ضعف النقل البيداغوجي وإخفاق المربي في تحديد النوافذ الواجب فتحها في النص للوصول من خلالها إلى الأهداف الحيوية في الدرس، ولنا في سورة "الحجرات" من برنامج السنة الثانية من التعليم الثانوي، والسنة التاسعة مثال جيد لبلورة ملامح هذا العائق وتصور الكيفية الواجب احتذاؤها والنسخ على منوالها لبعث الحيوية في درس القرآني وتنشيط أذهان التلاميذ وتحقيق التواصل البيداغوجي المنشود، ونكتفي لهذا العرض بالمقطع القرآني التالي : " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون…الخ"
إن النسبة الغالبة من مدرسي مادة التربية والتفكير الإسلامي ما يزالون يكتفون في إنجاز هذا الدرس بشرح معنى السخرية، ومعنى اللمز، والتنابز بالألقاب ثم يتبعونه ببعض المضامين الوعظية يحولون بها الدرس إلى درس أخلاق غير مقرر بالبرامج الرسمية، والحال أن النقل البيداغوجي السليم يقتضي التركيز على تنزيل هذا الدرس في إطاره من البرامج حيث يحرص على تحقيق الأبعاد التي تتناسب مع محور الإصلاح في السنة الثانية من التعليم الثانوي، ومع محور الأخوة الإنسانية من برامج السنة التاسعة من التعليم الأساسي، وهذا يقتضي منا فتح واحدة من ثلاث نوافذ على الأقل.
أ- الأولى نافذة الشروح اللغوية وفيها نستعيض عن شرح الألفاظ التفصيلية (السخرية، اللمز، التنابز بالألقاب) بشرح المعاني. واعتبار مسميات الأسماء الثلاثة ضروبا من العنف اللفظي، ومطالبة التلاميذ بتنويع الأمثلة لهذا النوع من العنف، ثم نمر إلى دلالة الاقتضاء المتمثلة في اقتضاء النهي عن العنف اللفظي رفض العنف المادي وتحريمه، وبذلك نكون قد حققنا بعدا منهجيا وبعدا حضاريا لا يمكن التضحية بأي منهما في مثل هذا الدرس. ويبقى باب التوسع في استخراج مثل هذه المضامين مفتوحا، غير أن هذا البحث لا يتسع لاستعراض نماذج أكثر.
ب-الثانية : نافذة استثمار الصيغ، ونكتفي منها باستثمار صيغة النكرة : "لا يسخر قوم من قوم ولا نساء من نساء" لنصل من خلالها إلى مساعدة التلاميذ على إدراك ما تفيده النكرة هنا من عموم وإطلاق يستغرقان البشر جميعا بقطع النظر عن أديانهم ولغاتهم وعن ألوانهم، وأعراقهم وطبقاتهم الاجتماعية، فهي لا تعني تحريم السخرية من المسلمين فقط وإنما تعني تحريم السخرية من البشر جميعا. وما أروع القرآن إذ يحرم سب آلهة المشركين فيقول : "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم …" (سورة الأنعام 108)
ج-الثالثة : نافذة الأحكام : ويكفينا لها الوقوف عند قوله تعالى : "ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون" لنساعد تلاميذنا على إدراك ما يفتحه الإسلام من أبواب لقبول توبة المخطئين…الخ وما في ذلك من مرونة وتسامح ومراعاة لطبيعة الإنسان.
1-3 : إخفاق الأستاذ في تحديد الكفايات الأساسية للدرس وضبط المعارف أو المهارات الواجب الاكتفاء بها في كل درس.
2- صعوبات وعوائق مصدرها الإجراءات المنهجية ويأتي في مقدمتها :
2-1 : عدم فهم المربي طبيعة التواصل البيداغوجي، وعدم وعيه بأن التواصل لا يمكن أن يتم في إطار وحدة متماسكة تستمر عبر وحدة زمنية تستغرق كامل الحصة أو تستغرق وقتا طويلا منها. وإنما يتحتم تجزئة التواصل إلى وحدات صغيرة متنوعة في وسائلها، مختلفة في مضامينها تتخللها لحظات فراغ هي بمثابة محطات الاستراحة، وأن هذه الوحدات التواصلية تتوقف على مدى توفق المدرس في تفكيك المعاني والأفكار وتجزئة الأسئلة لضمان التقدم في سير درسه وفق خطوات منهجية واضحة يفضي بعضها إلى بعض وتفضي في جملتها إلى تحقيق الهدف العام المراد من الدرس. وبسبب عدد استيعاب الكثير من مدرسينا هذه الحقيقة نراهم ينصرفون مباشرة إلى ا لمعاني الكلية العامة، فيغرقون دروسهم في العموميات التي تفقد الدرس حيويته وتمنع التلاميذ من المشاركة الفاعلة فتعيق التواصل وتحول الدرس إلى نوع من التلقين والتقرير المقنع أو الصريح. قد لا نبالغ إذا قلنا ان أكثر من 90 % من مدرسي مادة التربية والتفكير الإسلامي يرددون على مسامع تلاميذهم عدة مرات كل سنة مقولة : "إذا بني الإيمان على أسس سليمة انقلب إلى قوة فاعلة" وهي عبارة فارغة لا تحمل أية دلالة فكرية أو عقدية أو حضارية ما لم يقع تفكيكها إلى معاني فرعية يقع تضمينها في أسئلة جزئية متدرجة تنطلق من مطالبة التلاميذ بالرجوع إلى المناجد والمعاجم لتحديد المعاني والدلالات المختلفة لكلمة "الايمان" في اللغة وفي الاصطلاح : الاصطلاح الدينين الاصطلاح الفلسفي، اصطلاح علم النفس… مرارا إلى تعرف أنواع الإيمان ودرجاته ومراتبه، وصولا إلى تحديد الأسس النفسية والفكرية التي يستند إليها كل نوع…
2-2 : القصور أو التقصير في استخلاص المعلومات
2-3 : الإخفاق في تحليل النتائج وتعرف العوامل المساعدة واكتشاف الصعوبات والعوامل المعيقة.
2-4 : الاكتفاء بالأدوات المعطاة مسبقا
لتعرف خصوصيات هذا النوع من العوائق المنهجية نحتاج إلى تقسيم الأدوات والوسائل التي يحتاجها المدرس لتحليل مضامين درسه إلى ثلاثة أنواع متكاملة لا يمكن الاكتفاء ببعضها عن البعض الآخر :
3-1 : الدوات المعطاة مسبقا وهي وسائل متوفرة للتلميذ والأستاذ على السواء قبل الدرس وقبل الإعداد والاستعداد له، وهي الأدوات والوسائل التي يوفرها الكتاب المدرسي بنصوصه وبصوره وبجهازه البيداغوجي، وتوفرها البرامج الرسمية بمقرراتها وأهدافها وتوجيهاتها، وتوفرها الوثائق المنهجية، والمناشير التكميلية والمذكرات التطبيقية الصادرة عن إدارة البرامج أو عن إدارة الامتحانات أو عن التفقدية العامة للتربية أو عن إدارة التكوين المستمر…
3-2 : أدوات يوفرها الأستاذ خلال إعداده الدرس وقيامه بعملية النقل البيداغوجي وتتمثل بالدرجة الأولى في ما يعدّه من أسئلة وما يصوغه من وضعيات تطبيقية وما يستحضره من معينات وبدائل تشخيصية، وتجدر الإشارة هنا إلى الخطأ الذي يرتكبه مدرسونا في مرحلة إعداد الدرس إذ يكتفون بإعداد معلومات، وقد يكتفون بتسطير عبارات في النص ويعلقون عليها بقلم الرصاص على الكتاب المدرسي، فيكون لهم من ذلك ضرب من الارتجال المقنّع الذي يعيق التواصل ويقلّص من مشاركة التلاميذ، وإنما الإعداد صياغة الأسئلة، وتصور الإجابات، المتوقعة عن كل سؤال، وتفكيك المعاني على ضوء تلك التوقعات واستحضار الأمثلة، والتماس المعينات …
3-3 : أدوات ينتجها سير الدرس باعتبار أن السؤال قد تتولد عنه أسئلة، وأن الجواب قد يفتح نوافذ جديدة على جوانب من الدرس لم تكن في الحسبان، ويكشف عن أفكار وخواطر وتصورات لم تكن واردة، فينتج أدوات جديدة لمواصلة التحليل ولتحقيق المزيد من الإثراء والتعميق، وبذلك يوفر وسائل جديدة للتواصل البيداغوجي ولدعم مشاركة التلاميذ في الدرس. فإذا قصر المدرس في استخدام هذه والاستفادة من تلك، مكتفيا بالاعتماد على الأدوات المعطاة مسبقا ضيق على تلاميذه قنوات التواصل وحرمهم من التفاعل مع الدرس والشعور بدورهم في تحقيق الإضافة النوعية.
العوائق المتعلقة بذات الباث
هناك جملة من عوائق التواصل البيداغوجي يكون مصدرها الباث نفسه وغن كانت تختلف في نسبة حضورها ودرجة تأثيرها من مدرس إلى آخر تبعا لاختلاف السن والجنس والمزاج الشخصين والخبرة الشخصية لدى كل مدرس أو مدرسة، وتبعا لنوعية التصورات التي يحملها كل منهم عن نفسه أو عن تلاميذه، ويمكن تقسيم هذه العوائق إلى ثلاث فيئات :
1- فيئة متعلقة بأدوات التبليغ نكتفي منها بذكر الثلاثة التالية :
1-1 : وجود خلل في النطق مثل : اللكنة، واللثغ، والفأفأة، والتأتأة، وسرعة نسق الكلام، وخفوت الصوت، والزعيق، وعلو طبقة الصوت إلى الحد الذي يتحول معه إلى نوع من الضجيج يحد من قدرة أذهان المتلقين عن الاستيعاب ويمنعهم من التواصل مع بعضهم ومع أساتذتهم.
1-2 : رداءة الخط وعدم وضوح الكتابة مما يحد من جدوى استعمال السبورة ومن اعتماد بعض وسائل التبليغ بالكتابة الحينية، ويضاف إلى هذا العامل، سوء استعمال السبورة وعدم إحكام تبويبها وترتيب المعلومات عليها مما يمنع التلاميذ من التعامل معها ويحرمهم من الاستفادة منها كقناة للتواصل.
1-3 : عجز الباث أو تقصيره في استعمال العلامات غير اللغوية كالإشارات والمشخصات، والملامح المعبرة، والحركات وأوضاع الجسم، والحركة في المجال البيداغوجي…
2- فيئة العوامل النفسية وتأتي في مقدمتها :
2-1 : الصورة الخاطئة التي يحملها المدرس عن نفسه، وما يترتب عنها من خجل واضطراب، وضعف شخصية، أو من غرور، ومبالغة في الثقة بالنفس يفضيان إلى سوء التقدير وسوء التصرف في العلاقات، أو في الانتظارات.
2-2 الصورة التي يحملها المدرس عن تلاميذه : كلهم أو بعضهم، مما يفضي به إلى الارتياح إلى البعض والإقبال عليهم، والنفور من البعض وإهمالهم، أو يحمله على التبسيط المفرط أو على الصعوبة المفرطة التي تجعله يطلب من تلاميذه ما يتجاوز إمكانياتهم الذهنية وهو ما يكون عادة نتيجة حداثة عهد المربي بمهنة التدريس، أو نتيجة لعدم الاطلاع على برامج المستوى المدرسي السابق للتلاميذ لغاية البناء عليه، أو عدم الاطلاع على برامج المستوى اللاحق حتى يعرف كيف يعد تلاميذه للارتقاء إليه، وقد يكون نتيجة لعدم إلمامه بالبرامج الرسمية وعدم استيعابه غاياتها وأهدافها، أو عدم التزامه بتوجيهاتها، أو عدم تقيده بمقرراتها.
2-3 المزاج الشخصي للمدرس : فقد يكون حاد الطبع سريع الثورة والغضب متسرعا في ردود فعله، مما يحمل التلاميذ على الانكماش إذ يفقدون الشعور بالأمن ويحرمون الإحساس بالحرية والتلقائية.
3- فيئة العوالم السلوكية : وهي جملة من العوامل والمؤثرات يمكن إرجاعها إلى عامل رئيسي واحد هو الارتجال الذي تتولد عنه كل الأخلال والعوائق البيداغوجية من غياب التشويق والتحفيز إلى عدم تنظيم العمل بكيفية تضمن له التدرج والوضوح، إلى التقصير في النقل البيداغوجي، إلى الإخفاق في تخير المعينات والبدائل التشخيصية أو عدم استعمالها أصلا، يضاف إلى ذلك عامل آخر قوي التأثير هو ركود المدرس وتجافيه عن الحيوية والنشاط والحركة في الفصل.
العوائق المتعلقة بذات المتلقي
من عوائق التواصل ما يكون سببه المتلقي نفسه ويمكن تصنيف مجموعها في أربع فيئات :
1- أخلال التلقي : خلل سمعي، خلل بصري …
2- أخلال التعبير عن الاستجابة : خلل في النطق والقدرة على الكلام، قصور عضوي أو عجز مهاري يحد من قدرة المتلقي على التعبير عن استجابته بإنجاز العمل المطلوب أو القيام بالحركة المعبرة.
3- عوائق نفسية تمنع المتلقي من الاندماج في النشاط التواصلي وتحد من رغبته في المشاركة ويأتي في مقدمتها : شعور بالخجل أو بالتأثم، الخوف من العقاب أو من السخرية والتتفيه، عدم الإحساس بالحرية والتلقائية.
4- عوائق ذهنية وهي من الصعوبات ذات الخطورة البالغة على تأمين مسار التواصل وضمان استمراره وأدائه وظائفه ونكتفي منها بذكر ما يلي :
4-1 : ضعف الحافز على التعلم أو فقدانه فإذا لم يقتنع المتلقي بحيوية الخطاب الموجه إليه والقضايا والمسائل المطروحة عليه ولم يجد فيها ولم يجد فيها ما يثير اهتمامه ويغريه بها فإنه لا يقبل عليها ولا يشغل باله بها جديا، فينقطع التواصل أو يمتنع من أساسه. هذا العائق واحد من العوائق المهمة التي يعاني منها تدريس التربية والتفكير الإسلامي، فكثير ما يعتقد مدرسونا أن ارتباط قضايا الدرس بالإسلام كاف لإثارة اهتمام التلاميذ بها وجذبهم إليها، وهو خطأ ينبغي التفطن إليه والعمل على تلافيه، فلكل درس حوافزه الخاصة التي ينبغي أن يعرفها الأستاذ ويعمل على توفيرها، وفي مقدمة هذه الحوافز جعل تلك القضايا والمسائل قابلة للتحليل، والمناقشة، تتسع لاستحضار البعد النقدي وتحقيق الإضافة النوعية، وتوفر للتلاميذ مجالا للنشاط الذهني، والشعور بالذات.
4-2 عدم تناسب الموضوع والقضايا المطروحة على التلاميذ مع مستواهم الذهني سواء كانت فوق مستواهم بما تمثله من صعوبة بالغة، أو كانت دون مستواهم بما فيها من سهولة بالغة.
4-3 المكتسبات الماقبل علمية أو الماقبل مدرسيّة وهي جملة الأفكار والتصورات التي يملكها التلاميذ عن الموضوع مسبقا صحيحة كانت أو غالطة، وكذلك ما يملكه التلاميذ من معلومات ومواقف وأحكام وقيم تتعلق بمسائل الدرس، وكانوا قد استقروا من محيطهم العائلي والاجتماعي.
ولئن كان هذا العائق مشتركا بين جميع المواد فإنه أكثر خطورة واشدّ تأثيرا في دروس التربية والتفكير الإسلامي بسبب ما اختلط بإسلام العامة من عادات وتقاليد وعقائد وممارسات محسوبة على الإسلام وليست منه، ولذلك فهي تتصادم مع الأحكام الفقهية الصحيحة ومع مبادئ الحضارة الإسلامية القويمة، ربما تحمل التلاميذ على الوقوف منها موقف الرفض، الأمر الذي يحتم على مدرس التربية والتفكير الإسلامي أن يحتاطوا لها ويستعدوا لمعالجتها ومساعدة تلاميذهم على تجاوزها وفق خطوات متدرجة على النحو التالي:
أ- تمهيد الدرس بحفر التلاميذ على إظهار تصوراتهم ومكتسباتهم الماقبل مدرسية، وإخراجها وتعويدهم على الصدق في التصريح بها دون حرج ودون خوف أو تأثّم.
ب- مساعداتهم بواسطة الحوار والاستجواب على غربلتها والتمييز بين ماهو صحيح منها وما هو غالط.
ج- إقناع أصحاب التصورات والمعارف الخاطئة والمفاهيم الغالطة بخطأ ما لديهم.
د- إعانتهم على التخلّص من أخطائهم المعرفيّة والفكريّة والعقديّة.
هـ- مساعدتهم على تنظيم مكتسباتهم السليمة وإعادة بنائها قبل البدء في تمرير مكتسبات جديدة.
4-4- اختلاف المرجعيّة التي يستند إليها المتلقي يبني عليها فهمه عن المرجعيّة التي ستند إليها المدرس، فقد يفهم بعضنا أن الإصلاح لا يأتي إلا بعد الفساد، ويفهم الآخر الإصلاح على أنه التغيير نحو الأفضل، ولو لم يسبقه فساد، ومن هنا يتعذر التواصل الفكري والبيداغوجي بين من يفهم الإصلاح على أنه مجرد ترميم للموجود، بين من يفهمه على أنها حركة ترقية وتغيير لا يمكن أن تتوقف.
4-5- عجز الملتقى عن فك الترميز وفهم الإشارات المكونة للرسالة.
4-6- اختلاف انتظارات المتلقي عن انتظارات الباث وهو النتيجة الطبيعية للتصور الذهني الذي يحمله التلاميذ عن المدرس وعن مادة تدريسه، فكثيرا ما يخفق المتعلمون في التعبير عن الاستجابة ويجهضون العملية التواصلية بسبب خطئهم في تصور ما ينتظره منهم أستاذهم.
من ذلك أن النسبة الغالبة من تلاميذنا يتصورون دروس التربية والتفكير الإسلامي دروس نقل وتسليم وتمجيد للماضي، ويتصورون ويتصورون أستاذ التربية والتفكير الإسلامي عدوا للنقد والمناقشة، رافضا لكل إضافة، ويتعاملون مع المادة ومع أساتذتها من هذا المنطلق، الأمر الذي يجعل التواصل في دروس هذه المادة شكليا زائفا، ويحتم على الأساتذة إصلاح هذا التصور الخاطئ الذي يعشش في أذهان تلاميذهم.
عوائق المحيط
من عوائق التواصل ما يكون مصدره نظام التسيير أو المحيط الفريب الذي يكتنف المؤسسة التربوية، أو المحيط الحضاري والثقافي العام، ويمكن تصنيفها على النحو التالي :
1- الضجيج مهما كان مصدره: من داخل قاعة الدرس أو من الساحات والقاعات المجاورة أو ممن الشارع أو من الأحياء والمؤسسات الصناعية القريبة.
2- عوائق الانتباه ومنها نقص الإنارة أو التهوئة في قاعة الدرس، ومنها إذا كانت بالقاعة أو خارجها صور أو كتابات تلفت النظر فتشتت انتباه التلاميذ وتمنعه من التركيز على استيعاب الرسالة الصادرة إليهم من الباث، ومنها وجود مشاهد حية تسترعي انتباه المتعلمين وتمنعهم من التواصل مع المدرس، كأن تكون نوافذ القاعة مطلة على ساحة الرياضة أو على الشاعر العام.
3-عوائق التنظيم:
ويأتي في مقدمتها الاكتظاظ وكثافة عدد المتعلمين بالفصول المدرسية، فمن الصعب على المدرس مهما كانت خبرته أن يقيم نوعا من التواصل الحقيقي الجاد مع عدد كبير من المتعلمين قد يتجاوز أحيانا الأربعين تلميذا.
ومنها اختلاف المستويات الذهنية للمتعلمين في الفصل الواحد مثلما هو الحال في نظام الفرق الذي ما يزال معمولا به في بعض فصول مدارسنا الابتدائية بالريف التونسي حيث يجمع في الفصل الواحد بين تلاميذ من السنة الأولى والثانية على سبيل المثال، أو من السنة الثانية والثالثة … الخ
وقريبا من هذا النظام يكون وضع فصول مدرسية يجمع فيها بين تلاميذ مرتقين آليا أو بالإسعاف، وبين تلاميذ متفوقين.
4- نظام الجلوس في القسم :
إن نظام الجلوس في القسم المعمول به حاليا لئن كان لا يمنع التواصل القائم بين الأستاذ وبين أفراد المتعلمين، فإنه لا يساعد على إقامة تواصل لا مركزي مفتوح ومتعدد الاتجاهات، فكل التلاميذ يجلسون في اتجاه واحد يجعل كلا منهم يولي ظهره لمن يجلس خلفه، فيسمع صوته ولكنه لا يرى ملامح وجهه ولا يشاهد حركاته وردود فعله، الأمر الذي يكرس التواصل الثنائي بين المدرس وأفراد المجموعة ولكنّه يستبعد التواصل الجماعي النشيط.
5-تغير نظام التواصل في المحيط الحضاري وعدم مواكبة المدرسة للثورة الإعلامية التي يعيشها المتعلم في البيئتين الأولى والثالثة، فلم تعد العلاقة التواصلية محصورة في التعامل المباشر بين الباث والمتلقي، وإنما أصبح بالإمكان إقامة هذه العلاقة بصورة غير مباشرة عبر وسائط كثيرو متعددة وفّرتها الثورة التكنولوجية والإعلامية الهائلة. فأصبحت الشاشة بديلا عن المدرس في كثير من المسائل والقضايا التي يجد فيه المتلقي من الجاذبية ومن الحوافز ما يمنحها من الحيوية والقدرة على إثارة الاهتمام أكثر مما يجده لدى المدرس في القسم، بل لقد أصبح الباث عبر هذه الشاشات المختلفة المتنوعة يستطيع أن يبلغ رسالته إلى متلقين بعيدين لا يلتقي بهم ولا يراهم ولا يتلقى ردود فعلهم، ودون أن يعلم نوعية الاستجابة الحاصلة لديهم بحيث أصبحت العملية التواصلية أقرب إلى الاتجاه الواحد. فهناك طرف يؤثر ولا يتأثر هو جهاز الباث، وآخر يتأثر ولا يؤثر وهو المتلقي أو المشاهد، فهل نستمر على اعتبار هذه العلاقة تواصلا، وليس فيها تبادل ؟ أم يكون على علوم التربية أن تراجع نظرياتها وكل القيم والأحكام والقواعد البيداغوجية التي أقامتها على مفهوم التواصل الذي أخذ في التراجع ليفسح المجال إلى أنواع جديدة من العلاقات التربوية هي أقرب إلى علاقة المثير بالمستجيب.
لقد بدأ اليوم الذي يستغني فيه المتعلمون عن المدرس يقترب دون شك، وعلى علوم التربية أن تعد العدة لمواجهة المشاكل البيداغوجية التي سوف تطرحها عليها الوسائط المتعددة بما تحمله من تقليص لدور المدرس إلى أقصى حد، لتكون هي البديل عنه، أو على الأقل لتحلّ محلّه في المساحات التربوية الشاسعة التي سوف تحررها من سلطته ونفوذه، فهل من سبيل إلي نظرات بيداغوجية جديدة تقنن هذه العلاقات الجديدة وتنظم سبل التواصل من خلالها.